200 يوم من الحرب على غزة: الحقيقة المروعة "من يجرا يقول هذا مش معقول!"

 200 يوم من الحرب على غزة: الحقيقة المروعة "من يجرا يقول هذا مش معقول!"

الحرب على غزة
200 يوم من الحرب على غزة

إنها الحرب التي تُثقل القلب، كما اعترف أمل دُنقل، لا تُثقل القلب فقط، بل الجسد أيضاً، لأننا في هذه الحرب علينا حمل أجسادنا ومواصلة الفرار من منطقة لأخرى بحثاً عن أمان منعدم إلا من الله، من نزوح إلى نزوح رغم رفاهية أني نزحت مرة واحدة فقط، وأرجو الله ألا تتكرر، لم أكن في خيمة ولا في قصر، لكني كنت فقط كل ما أريد هو البيت، بيتي، مقارنة بنزوح أصدقائي، لم يكن نزوحهم سهلاً، بل كان بمثابة عبور غابة الموت، من خيمة إلى أخرى، من مأوى لمأوى، أحمل هم فكرة النزوح وأركض وأنا حاملة قلبي المثقل بين يدي أريد حمايته من قسوة العالم، ولحماية أطفالي في المستقبل، آخذهم من خيمة في دير البلح إلى خيمة في مواصي خانيونس، فيلمح الاحتلال إصراري على العيش ويغتال الحلم داخلي، ويشاهدني العالم بثاً مباشراً، ويخرج في الصباح متنزهاً في بلادته دون أن تراوده كوابيس حول أقدامي المبتورة ودمي المهدور. 


الحقيقة المروعة "من يجرا يقول هذا مش معقول!"

٢٠٠ يوم ومازالت غزة تحت النار، ومازالت تحت مقصلة نتنياهو ومعاونيه كل أيامي وما أدخره من أحلام، مازالت أهم أوراقنا الثبوتية وما تملك أمي من ذهب في حقيبة تنتظر أوامر الإخلاء! 

مازالت الإباردة الجماعية مستمرة، لم تهدأ الحرب على غزة ساعة واحدة، بالأمس، سقط صاروخين في المخيم الذي أقطنه، الأول ملئ ساعة يدي بالغبار، ونفضتها وأنا أطمئن طلابي أنه بعيد وهو خلفنا تماماً، الصاروخ الثاني سقط بشكل أقوى وحول السماء من حولنا إلى رسمة طفل لا يُجيد استعمال الألوان فخلط الرمادي بالأسود وتناثرت الأشياء مثل الأوراق، فظنها الناس أوامر إخلاء وخيب الله هكذا ظنون دوماً. 


العالم يُقدم اختباراً في الإنسانية وغزة تُعلن فشلهم

ولدت في غزة، حيث الصراع الدائم على الحق، والأطفال الذين تركض أعمارهم في الحرب، كبرت معتادة على حضور الزنانة والطائرات الحربية، تكبر كارهاً للحدود وتلعن الاحتلال كل يوم ولكنك حر بطريقة ما والعالم كله مُقيد في أغلال لا يعيها، تُقر الكاتبة التشيلية إيزابيل الليندي حقيقة أن المحيط الجغرافي يحدد شخصية الإنسان، وأتأكد الآن أن وجودي في غزة يبرز إيماني في قضية تتمحور حياتي حولها، وأني ناجية من فراغ سحيق يسقط العالم به، غزة صقلت شخصيات أبنائها، علمتهم أنهم وحدهم الحق في ميزان الباطل، وأن الهزيمة هي نفض الذاكرة والغوص في ملهيات العالم، وأن التحرر يبدأ حين تنشط الذاكرة بانتقام حي لزوال هذا الكيان الغاصب، الذي مد العالم يده ليصافحه بكل أسماء السلام الفارغة من معانيها، للحرب على غزة تأثيرات متداعية يجب إسعافها فوراً. فهناك من يؤلمهم ضميرهم ووعيهم السلبي نحو القضية، فصاحبة بودكاست تلفاز تقول كردة فعل عما يحدث من جرائم حرب ومعاناة أهل غزة: "أريد أن أغمض عيني وأذهب لعالم آخر"، وآخر سعودي لا أذكر اسمه يقول: "العالم لن يتوقف بسبب الحرب على غزة"، ليختفي شعب غزة حتى لا تتعب نفسيات الغير مؤهلين نفسياً للتواجد في عالم وجد فيه السلام صدفة! 

أين الزمان الذي كانت فيه:

تذوبُ حُشاشاتُ العواصمِ حسرةً
إذا دَمِيَتْ من كفِّ بغداد إصْبع!

الآن، هناك من يرفض فكرة المقاطعة ويشتري أعضائنا المبتورة! لقد فشل العالم منذ مجزرة مستشفى المعمداني، منذ تقييد المحتوى الفلسطيني، غزة الآن تدير ظهرها مثل حنظلة وتعلن أن هذا العالم كذب على نفسه حين قال أنه إنساني ويطمح لسيادة العدل! 


الحياة مشروع مقاومة في غزة 

لقد مللت من تخيل شكل موتي، وأجزم أن كل غزي تخيل شكل موته، تناثر جسده وخيالات الكفن التي لا تنتهي من احتضان أحبته، الحرب هي حقيقة مفصلة عن كون الإنسان وحش حن لماضيه، هذا الوحش الذي يأتي كل مدة لينهش في أرواحنا، ويدمر مدينتنا ثم يرحل ليعود في جولات أخرى، تأتي الحرب انتقاماً، ثم تستمر حياتنا كمشروع مقاومة، ومن يجرؤ على القول أن كل هذا غير معقول؟

في غزة أمامك طريقين، إما بالموت، أو أن تصبح بطل حكاية ما دون أن تقصد، تستهدفنا الحكايات حيث نعيش، وحيث نموت في بلاد لا نقتصد في محبتها، إذا مت حولتك غزة لقصة وأغنية لا تفنى، وإن حالفك الحظ وعشت فأنت واحد من أبناء النجاة الذين ينقذون الحكايات من تحت الركام!


علمني يا بسام حجار كيف أقتلع شوكة الحرب من وسادتي؟

أريد أن أفتح عيني على الطمأنينة،  أفتح فمي لكوب ماء بارد وطعام شهي، أن تنتهي الأخبار، ويرحل الشهداء من الشاشة إلى الجنة ويلتقي الأحبة، ويطمئن شمال غزة ويعود للشاطىء سكينته، وللمقاهي أقدام زوارها، واللعنة على هذا العالم. 



7 تعليقات

  1. حبيبتي الله يحفظكم ويكتبلكم الاجر والثواب علي كل كل اللي عشتوه وحسبي الله ونعم الوكيل بكل هالعالم

    ردحذف
  2. المقال جميل جدا ربنا معاكم وينصركم يارب

    ردحذف
    الردود
    1. شكراً على فرصة القراءة، تحياتي

      حذف
  3. كتبت إيمان أبو عويمر بعد انتهائها من المقال: ستعود غزة كما كانت تعود كل مرة..
    كل الاحتلال يزول ويبقى أبناء النجاة أبناء غزة
    كل البيوت التي دُمرت ستُبنى من جديد..
    و الموائد ورائحة الطعام الشهية والقهوة اللذيذة رغم مرارتها..
    ستُشرق شمس غزة بلا غبار ولا دخان..
    سيَسكُن ليلها وينام أطفالها بلا خوف..
    ستعود غزة فقط بصمود أهلها وإصرارهم على الحياة فيها أو الموت فيها.. والموت ليس النهاية.

    ردحذف
  4. ستعود غزة كما كانت تعود كل مرة..
    كل الاحتلال يزول ويبقى أبناء النجاة أبناء غزة
    كل البيوت التي دُمرت ستُبنى من جديد..
    و الموائد ورائحة الطعام الشهية والقهوة اللذيذة رغم مرارتها..
    ستُشرق شمس غزة بلا غبار ولا دخان..
    سيَسكُن ليلها وينام أطفالها بلا خوف..
    ستعود غزة فقط بصمود أهلها وإصرارهم على الحياة فيها أو الموت فيها.. والموت ليس النهاية.

    ردحذف
  5. لم ينقطع الأمل عندي و ما زلت أحلم ببناء بيتي من جديد و العيش فيه مع أبنائي و ما زلت أحلم بإكمال مسيرتنا في كل مناحي الحياة..اللهم فرجا من عندك لأهل غزة

    ردحذف

إرسال تعليق

أحدث أقدم